في خضم التغيرات المتسارعة التي أصبحت أحد الملامح الرئيسة للألفية الثالثة، تتجه الأنظار نحو النظم التربوية ممثلة بمؤسساتها المختلفة لتنهض بمسؤولياتها تجاه بناء الفرد وفق منظور تربوي يستند إلى تطوير الفرد، وتحرير طاقاته الإبداعية، والتي لا تتأتى إلا من خلال مساعدته على النمو السوي المتوازن عبر إعداد برامج تربوية تُعنى بتعليم وتعلم التفكير بطريقة منهجية منظمة تتخذ من المهجية العلمية منهجًا وطريقة.
تعريف التفكير
يعرف ديبونو (De Bono) التفكير على أنه العملية التي يمارس عليها الذكاء من خلالها نشاطه على الخبرة؛ أي أنه يتضمن القدرة على استخدام الذكاء الموروث وإخراجه إلى أرض الواقع، مثلما يشير إلى اكتشاف متبصر أو متأن للخبرة من أجل الوصول إلى الهدف.
ويشير كوستا (Costa) بأن التفكير هو المعالجة العقلية للمدخلات الحسية بهدف تشكيل الأفكار من أجل إدراك المثيرات الحسية والحكم عليها.
ويقدم مجدي حبيب تعريفًا للتفكير بأنه عملية عقلية معرفية وجدانية عليا تُبنى وتؤسس على محصلة من العلميات النفسية الأخرى كالإدراك، والإحساس، والتخيل، وكذلك العمليات العقلية كالتذكر والتجريد والتعميم والتمييز، والمقارنة، والاستدلال، وكلما اتجهنا من المحسوس إلى المجرد كان التفمير أكثر تعقيدًا.
ويعرف رجاء أبو علام التفكير باعتباره ذلك النوع من السلوك الذي يستخدم عمليات رمزية أو تمثيلية؛ فعندما يقوم الفرد بعمل إشارة إلى شيء غير موجود أمامه، أو عمل لا يقوم به فيالوقت الحاضر، فإنه يستخدم إشارات رمزية تعبر عما يفكر به.
وينظر سولسو (Solso) إلى التفكير على أنه مفهوم يتضمن ثلاثة جوانب أساسية:
- الجانب الأول: يشير إلى أن التفكير عملية عقلية معرفية، تتضمن مجموعة من عمليات المعالجة أو التجهيز داخل الجهاز المعرفي للفرد، وتحدث هذه العمليات في الدماغ.
- الجانب الثاني: فيشير إلى أنه يستدل على هذه المعلومات من خلال سلوك أو مجموعة من السلوكيات.
- الجانب الثالث: فيشير إلى أن التفكير موجه؛ أي أنه عملية هادفة نحو حل المشكلات أو توليد البدائل.
ويرى فتحي جروان أن التفكير عبارة عن سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس: اللمس، البصر، السمع، الشم، التذوق.
وأما باير (Beyer) فيرى أن التفكير عملية معرفية تمكن الفرد من التعلم ذي المعنى من خلال الخبرة التي يمر بها.
خصائص التفكير
يتميز التفكير بالخصائص الآتية:
- سلوك هادف، فهو لا يحدث في فراغ أو بلا هدف، وأنم يحدث في مواقف معينة.
- سلوك تطوري يتغير كمًا ونوعًا تبعًا لتطور الفرد وتراكم خبراته.
- التفكير الفعال هو التفكير الذي يوصل إلى أفضل المعاني والمعلومات التي يمكن استخلاصها في موقف ما.
- مفهوم نسبي فلا يعقل لفرد ما أن يصل إلى درجة الكمال في التفكير أو أن يحقق ويمارس جميع أنواع التفكير.
- يتشكل من تداخل عناصر البيئة التي يجري فيها التفكير والموقف أو الخبرة.
- يحدث بأشكال وأنماط مختلفة قد تكون لفظية أو رمزية أو كمية أو منطقية أو مكانية أوشكلة، ولكل منها خصوصيته.
يمكن تصنيف التفكير إلى القسمين الآتيين:
- التفكير الحر غير الموجه نسبيًا: هذا النشاط العقلي مجرد من تعبير عن رغبات أو حاجات، ولا يعتمد إلا على علاقات بسيطة قد تكون حقيقية، ولذلك فإن هذا النوع أقرب إلى التخيل منه إلى التفكير، ومثال ذلك أحلام اليقظة.
- التفكير الموجه: الذي يهدف إلى حل المشكلة أو ابتكار شيء نافع، ويمكن أن يقسم هذا النوع من التفكير إلى قسمين: التفكير الناقد أو التقييمي، والتفكير الإبداعي.
وثمة تصنيف آخر للتفكير حيث يرى أن التفكير كعمليات ذهنية أو عقلية يمكن تصنيفه ضمن مجموعات؛ وذلك لتمييز كل نوع عن الآخر، ويصنف التفكير إلى الأنواع الآتية:
- التفمير المادي أو المحسوس.
- التفكير المجرد.
- التفكير التأملي.
- التفكير الإبداعي.
- التفكير الناقد.
- التفكير الاستبصاري.
- التفكير التباعدي.
- التفكير التقاربي.
- التفكير ما وراء المعرفي.
- التفكير المنطقي.
وتشكل هذه الأنواع من التفكير تصميفات مهمة لكثير من الباحثين المرموقين في مجال تعليم وتعلم التفكير.
أخطاء الفتكير
هناك مجموعة من أخطاء التفكير التي يمكن أن يقع بها المتعلمين، وهذه الأخطاء تعمل على إعاقة عمليات أو مهارات التفكير لديهم، وبالتالي فإن معرفتها وفهمها تحول دون أن يقع المتعلمين فريسة لها:
- النظرة الجزئية في التفكير: تعبر إلى حد بعيد عن الخطأ الرئيس في التفكير، وهو خطأ خاص وقصورفي الإدراك والفهم، وفي هذه الحالة ينظر من يفكر إلى جزء من الموقف فحسب، ويقيم حجته على أساس ذلك.
- السلم الزمني: إذ يركز الفرد على شريحة زمنية ضيقة، وغالبًا ما تكون قريبة، ويعد حالة خاصة من النظرة الجزئية.
- التمركز حول الذات: ويشبه ذلك الذي يمد بصره خلال ممر ضيق أو نفق، ويرى الموقف بدلالة تأثيره عليه شخصيًا، والخطأ لا يقع إلى حد بعيد في عناية المرء باهتمامه، بل إنه يقع في عجزه عن رؤية بقية الموقف.
- العجرفة والغرور: هاتين الخاصيتين تشكلان خطأ شائعًا جدًا في التفكير، ويبرز خطأ التفكير حالما يكون ثمة تفسير منطقي يتسم بالوضوح لأمرما، ويؤخذ هذا آنئذ على أنه تفسير صحيح.
- الحكم الأولي: يعد مصدرًا رئيسًا للخطأ في التفكير، ويقع عادة في كل مستويات التفكير ، فقد يعرض اقتراح ثم يقوم من يفكر بإصدار حكم أولي أكان يحبذه أو لا يحبذه، ويستخدم بهد ذلك مهاراته الفكرية وقواه المنطقية لدعم الحكم الأولي.
- تضمين الذات: يستخدم الفرد التفكير كي يحافظ على صواب موقفه، ثم يعتقد به أيًا كان الوضع الذي أنتجه ذلك التفكير، ويصح هذا بصفة خاصة لدى المتعلمين من ذوي القدرات الأفضل، حيث صار بناء (الأنا) الخاص بهم على مر السنين على أساس من أنهم ألمع من المتعلمين الآخرين، ويجد مثل هذا الفرد صعوبة بالغة في الإقرار بالخطأ.
- خطأ المقدار: المقدار يتأثر بالجدل، ومن السهل تشبيد حجة منطقية لا تزيد كونها هراء، ويتبين من هذا أن خطأ المقدار واحد من الأخطاء الرئيسة في التفكير إذ إنه خطأ في الإدراك.