تعتبر اللغة من أهم مبتكرات الإنسان الحضارية، ولولا اللغة لما استطاع البشر الحفاظ على الحضارة والثقافة والتراث.
وتقع اللغة في بؤرة الأحداث الإنسانية، فمن خلالها توارثت البشرية خبرة الأجيال السابقة من معارف واكتشافات واختراعات؛ فانتشرت الآداب الرفيعة، التي انتهجتها الثقافات المختلفة منذ فجر التاريخ، إذ تلعب اللغة الدور الرئيس في أي تواصل بين البشر.
تعريف اللغة
لا يوجد تعريف واحد وافق إجماع الباحثين، ويمكن إيراد عدد من تعريفات اللغة، وهي على النحو الآتي:
تعريف المعجم الوسيط: اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم.
تعريف لسان العرب: اللغة من اللغو، واللغو ما كان من الكلام غير المعقود عليه، واللغة أيضا هو مالا يعتد به لتقلبه من حال إلى حال.
يعرف كينيث بايك (Kenneth Pike) اللغة بقوله: اللغة سلوك، وهي وجه من وجوه النشاط البشري والذي يجب ألا يعامل في جوهره منفصلا عن النشاط البشري غير الشفوي.
أما باي (Pie) فيعرفها بقوله: اللغة طريقة اتصال بين أعضاء مجموعة من الناس عن طريق الأصوات تعمل من خلال عضوي النطق، وذلك باستعمال رموز صوتية تحمل معاني معينة.
ويعرفها بلوتنك (Plotnik) فيقول: اللغة شكل من أشكال التواصل نتعلم منه استعمال قوانين معقدة تشكل رموزًا (كلمات أو إشارات) تولد بدروها عددًا غير محدد من جمل ذات معنى.
خصائص اللغة
تتميز اللغة الإنسانية بعدد من الخصائص أهمها:
- أن لغة الإنسان تتسع للتعبير عن تجاربه وخبراته ومعارفه.
- أن اللغة الإنسانية رموز عرفية اصطلاحية موضوعية غير مباشرة.
- إن الإنسان يستخدم اللغة في التعبير عن الأشياء العيانية.
- أن الإنسان يستخدم اللغة في التعبير عن الأشياء والأحداث البعيدة زمانا ومكانا.
- إنه يتكون لدى الإنسان وعي بالعلاقات التي يستخدمها قصدا على أنها وسائل لتحقيق الأغراض من خلال اللغة.
- يعمم الإنسان الألفاظ التي يستخدمها في الإشارة إلى أشياء متشابهة.
- لغة الإنسان مركبة تتألف من وحدات ومن قواعد لتأليف الواحدات ( حروف، كلمات، جمل ...).
- يكتسب الإنسان لغته من المجتمع الذي ينشأ ويعيش فيه.
- تتنوع لغة الإنسان بتنوع الجماعات التي تستخدمها بفعل الزمان والمكان.
دور اللغة
تلعب اللغة دورًا في عملية التفكير والنمو المعرفي لدى الفرد، فهي تزود النمو المعرفي بالرموز والمبادئ والقوانين التي تساعد على عملية التفكير والابتكار وحل المشكلات.
ويرى بياجيه (Piaget) وبرونر (Bruner) أن اللغة مفتاح النمو المعرفي؛ لأن عملية اكتسابها من قبل الفرد تمكنه من ترميز خبراته المتعددة الأمر الذي يسهل لديهم عملية التعلم والتفاعل مع المشكلات المتعددة.
وظائف اللغة
صنف هاليداي (Halliday) وظائف اللغة على النحو الآتي:
- الوظيفة النفسية: استخدام اللغة في التعبير عن الحاجات والرغبات وتحقيق أهداف معينة (أنا أريد).
- الوظيفة التنظيمية: استخدام اللغة للسيطرة والتحكم في سلوك الآخرين من الطلبات والأوامر والتعليمات (أفعل كذا ولا تفعل كذا).
- الوظيفة التفاعلية: اللغة أداة في التفاعل والتواصل مع الآخرين (أنا وأنت).
- الوظيفة الشخصية: اللغة أداة للتعبير عن المشاعر والاتجاهات والآراء نحو الموضوعات المختلفة، وتمثل أداة إثبات الهوية والإثبات الشخصي لدى الفرد.
- الوظيفة الاستكشافية: اللغة أداة لاكتساب المعرفة والخبرات، وتسمى هذه الوظيفة أيضا الوظيفة الاستفهامية، والتي تتمثل في طرح السئلة حول المواضيع المتعددة (استكشاف وفهم البيئة).
- الوظيفة التخيلية: اللغة أداة للهروب من الواقع من خلال كتابة الشعر والقصص للتنفيس عن الانفعالات الشخصية، وكذلك للترويح عن النفس (الشعر، الغناء).
- الوظيفة الإخبارية الإعلامية: اللغة أداء لنقل المعلومات والخبرات إلى الآخرين بهدف التأثير في سلوك الآخرين.
- الوظيفة الرمزية: استخدام اللغة للدلالة على الأشياء والموجودات المادية (المفاهيم المادية) أو الخبرات والمعاني المجردة (المفاهيم المجردة).
مراحل التطور اللغوي
يمر النمو اللغوي عند الأفراد في مراحل متسلسلة، وذلك اعتمادًا على عدد الكلمات التي يستطيع الطفل إنتاجها أثناء نموه اللغوي، وهذه المراحل على النحو الآتي:
فترة قبل اللغة
- مرحلة ما قبل اللغة أو الكلام:
يولد الطفل وهومزود بالأجهزة الإدراكية والصوتية، ولكنه غير قادر على الكلام؛ لعدم اكتمال النضج عنده، وعند اكتمال النضج المناسب وتوفير الخبرات البيئية المناسبة يتمكن من الكلام.
إن الطفل يستخدم خلال الأشهر الأولى من حياته طرق المعرفة غير اللفظية في تفاعله مع العالم المحيط به، حيث ينهمك في معالجات حية عملية متنوعة، ويختبر المثيرات على نحو مباشر فيرى ويسمع ويشم ويذوق، وتتصف هذه المرحلة بعدم وجود لغة حقيقية عند الطفل.
- مرحلة إدراك الأصوات وإصدارها:
في الشهر الأول يبدأ الطفل بتمييز الأصوات، وفي الشهر الثاني يبدأ الطفل بالاستجابة بشكل مختلف لصوت أمه عن الاستجابة للإناث غير المألوفة لديه، وفي منتصف هذا الشهر يبدأ بإصدار أصوات الصياح والصراخ، ولا يصدر الطفل أصواتًا ذات معنى إلا في نهاية السنة الأولى تقريبًا.
المرحلة اللغوية
تبدأ هذه المرحلة في نهاية السنة الأولى من عمر الطفل تقريبًا.
- مرحلة الكلمة الواحدة:
- التعميم: يستخدم الطفل الكلمة الواحد للدلالة على أكثر من شيء.
- التعقيد: يستخدم الطفل كلمة واحدة للتعبير عن أشياء يحتاج الراشد فيها إلى جملة أو أكثر للتعبير عنها.
- مرحلة الكلمتين:
تبدأ هذه المرحلة من منتصف السنة الثانية حتى نهايتها ويستطيع الطفل فيها من الوصل بين كلمتين مع بعضهما، ويستخدم الطفل اللغة في هذه المرحلة للتعبير عن:
- الملكية الخاصة به وبالآخرين، كأن يقول (سيارة ضاعت) للتعبير عن ضياع سيارته، أو يقول (بابا سيارة) للتعبير عن سيارة أبيه.
- الحاجات، مثل أن يقول (ماما مي) للتعبير عن عطشه.
- التباينات النوعية أو الكمية للأشياء للتعبير عن حاجته للمزيد من الأشياء، كأن يقول (أكثر لعب) للتعبير عن مزيد من اللعب.
- مرحلة شبه الجملة والجملة التامة (مرحلة الأكثر من كلمتين):